الاثنين، ٣١ أيار ٢٠١٠

فيروز



صوتها الدافئ الحنون لا تسمعه بأذنك ولكنه يتسلل مع موسيقاها الحالمة إلى قلبك لتجد نفسك مدفوعاً بقوة للوقوع في عشقها، حيث ينساب خليط الذكريات من قلبك رويدا رويداً ليمتزج بأ
لحانها وأغنياتها التي كانت
ومازالت تقف صامدة في وجه الزمان لتعلن في شموخ وكبرياء أنها واحدة من أهم علامات الفن في العقود
الأخيرة، أنها المطربة اللبنانية فيروز. لقد غنت فيروز للطفولة وللشباب وللحب وللوطن، ومازالت محتفظة بتلك الموهبة النادرة التي تجعلنا نسبح مع صوتها في بحر لانهائي من الشجون.

- خطواتها الأولى :
بليالي الشتاء 21 نوفمبر 1935م كان عامل المطبعة وديع حداد، وزوجته ليزا البستاني يتلقيان الهدية الإلهية
نهاد حداد التي عرفت فيما بعد بـ"فيروز"، حيث ولدت وسط عائلة حداد فقيرة تعيش في بيت متواضع مؤلف
من غرفة واحدة في زقاق البلاط الحي القديم المجاور لمدينة بيروت الجميلة، وظل الأب يكافح لرعاية أسرته
الصغيرة ويكفيهم قوت يومهم بالكاد. ولكن لم يمنع الفقر تلك العائلة من الاستمتاع بحياتها بمشاركة باقي
الجيران التي كانت تعاني من نفس الظروف أيضاً، حيث كان يسهرون معا يضحكون ويغنون وفي إحدى تلك
الليالي الباردة بدت موهبة تلك الصغيرة في الظهور وغنت وأدهشت الجميع بصوتها الفريد فأشاعت في الجو
الدفء والحيوية. ونجح الأب في توفير جزءاً من دخله البسيط من أجل تعليم أولاده، لذلك حظيت نهاد بفرصة
الالتحاق بالمدرسة، وهناك استطاع صوتها أن يجذب الانتباه فوراً بوصفه يتمتع بنوعية فريدة، حيث كان يمكنها
تحويل الأناشيد العادية الوطنية إلى شيء مدهش بجماله.

- في المدرسة :
وجاءت الفرصة لفيروز لتعبر عن جمال صوتها الآخاذ عندما بلغت الرابعة عشرة من عمرها، حيث سألها مدير مدرستها أن تغني في حضور محمد فليفل أستاذ الموسيقى وأحد مؤسسي المعهد الموسيقي الوطني في لبنان والذي كان يبحث عن أصوات جديدة بهدف تأسيس فرقة كورال لبرنامج يتم إعداده من أجل مناسبة رسمية. ما أن سمعها السيد فليفل حتى وقع في عشق صوتها، وسألها إن كانت تريد الانضمام إلى فرقة المنشدين التابعة له، ووافقت نهاد ولكن كان يجب الحصول على موافقة والدها.
ولم تكن موافقة الوالد المحافظ بتلك السهولة، ولذلك قررت فيروز وأخيها ووالدتها كتمان ذلك الخبر، وبدأ أخيها جوزيف وديع حداد بمرافقتها إلى معهد فليفل لمدة أربع أو خمس سنين، حيث تعلمت كيف تغني وفق منهاج موسيقي، وفي نفس الوقت رتب لها السيد فليفل لكي تدرس في المعهد الموسيقي الوطني، ولم يعلم الوالد أن ابنته التحقت بأحد معاهد الموسيقى إلا وقت حفل التخرج، عندما دعته لحضور حفلة موسيقية، وبعد أن أزيحت الستارة بوقت قصير ظهرت نهاد على خشبة المسرح ليرى وديع ابنته تقف باعتزاز، لتغني تنويعات موسيقية وتتسلم شهادتها. ونظرت نهاد إلى وجه أبيها لترى الدموع تنهمر على خديه، لقد كان أسعد من في الحضور لكن
بدون أن يعترف بذلك.

















- حكاية فيروز :
ولم يمر الكثير من الوقت حتي جاء نهاد عرض عمل في الإذاعة اللبنانية، لكن والدها أقام الدنيا وأقعدها، لأنه أرادها أن تواصل دراستها في المدرسة العادية، إلا أن خالها الشقيق الأصغر لأمها أقنعه بأن يتركها تقبل الوظيفة، وأعطى الوالد موافقته لتسبح فيروز في عالم الأنغام لتطربنا مع الألحان بالأبدع والأروع. وفي أحد الأيام تلقت نهاد دعوة من حليم الرومي والد المطربة "ماجدة الرومي" الذي كان موسيقياً ومدير البرامج وطلب منها أن تغني بشكل انفرادي، كما اقترح أن تغير اسمها إلى فيروز لأنه أسهل على اللفظ واقترح
عليها اسمان أحدهما فيروز والثاني "شهرزاد"، ومن ثم أصبح فيروز اسمها الفني. وظهرت مطربتنا خائفة
ومرتبكة في أغنيتها الأولي، وبعد أن فرغت من غناء أولى إبداعاتها "تركت قلبي وطاوعت حبك" من
كلمات "ميشيل عوض"، هرع فريق العمل نحوها لتهنئتها، ومع الوقت غنت أغان أكثر وبدأت تداعب في خجل أطراف أصابع الشهرة.













- انطلاقتها الحقيقية :
بدأت انطلاقة فيروز الفنية الحقيقية عام 1952م عندما تعاونت مع الأخوين رحباني (عاصي ومنصور
الرحباني) حيث كان الأخوان رحباني يأتيان إلى الإذاعة ليقدما برامجهما، وهناك التقت فيروز عاصي، وملأت
أغانيها وقتئذ كافة القنوات الإذاعية وبدأت تتسلم مفاتيح النجاح، وفي 1955م تزوجت مطربتنا ذات الصوت
الحنون من عاصي الرحباني، وأنجبت منه زياد وريما.
وأنجبت منه زياد وريما.

- اسطواناتها :
واصلت فيروز ومازالت مسيرتها الفنية وانك لتتعجب حين تشاهدها ماتزال تقف المسرح تغني رغم كبر سنها ولكنك عندما تسمعها
تعود بك رغماً عنك لأيام طفولتك وذكرياتك الجميلة وتأخذ الصغار أيضا إلى عالم
الرومانسية والخيال لتجعلنا نحلق فوق ذلك الكون الفسيح ونحن جالسون في مقاعدنا لم نتحرك سنتيمتراً واحداً،
ومن ذلك الذي يقدر على الحراك وأمامه تلك الموهبة صاحبة الصوت الملائكي الذي يضم بين حدته ونعومته
ورقته كل آلات الموسيقي وكأنك تسمع أوركسترا كاملة العدد. وقد غنت فيروز للعديد من الشعراء والملحنين،
وأمام حشد من الملوك والرؤساء، وفي أغلب المهرجانات الكبرى في العالم العربي، وأطلق عليها عدة ألقاب
منها "سفيرتنا إلى النجوم" للدلالة على رقي صوتها وتميزه.
وبعد وفاة زوجها عاصي عام 1986، خاضت تجارب عديدة مع مجموعة ملحنين ومؤلفين من أبرزهم فلمون
وهبة وزكي ناصيف، لكنها عملت بشكل رئيسي مع ابنها زياد الرحباني الذي قدم لها مجموعة كبيرة من
الأغاني أبرزت موهبته وقدرته على خلق نمط موسيقي خاص به يستقي من الموسيقى العربية والموسيقى
العالمية، وأصدرت مطربتنا العديد من الأسطوانات. وكان أخر ألبوماتها "ولا كيف" عام 2001·
وفى سابقة هى الأولى من نوعها والتى تمنح فيها الدكتوراة لصوت منحت الجامعة الأمريكية العريقة في بيروت
الفنانة فيروز لقب الدكتوراه الفخرية، لتنضم بذلك إلى 22 شخصية برعوا في مجالات الطب والعلوم والفلسفة
والحقوق والكتابة والصحافة ومُنحوا هذا اللقب منذ عام 1866وكأن ذلك اللقب جاء اعترافاً من جامعة امريكية
بأن فيروز حقاً طبيبة من نوع خاص تعالج القلوب، النفوس وتساعدنا على تجاوز أزماتنا العاطفية والوطنية بما
تشهده حياتنا من لحظات انكسار وضياع وفقدان النموذج فتتهادى إلى أذناك بصوتها الساحر لتنسى آلامك
وتداوي جروحك بكلمات رقيقة أحيانا وقاسية أحيانا أخري ومن ينسى كلمات أغنيتها الشهيرة القدس العتيقة التي تقول فيها:
عم صرّخ بالشوارع
شوارع القدس العتيقة
خلي الغنيّة تطير عواصف وهدير
يا صوتي ضلك طاير زوبع بـ هالضماير
خبرهن عاللي صاير بلكه بيوعى الضمير
وتميزت أغاني فيروز في ذلك الوقت بقصر المدة وبساطة التعب
ير وعمق الفكرة الموسيقية وتنوع المواضيع،
وقدم الأخوين رحباني مع فيروز المئات من الأغاني التي أحدثت ثورة في الموسيقى العربية، وجاء عدد كبير
منها ضمن مجموعة مسرحيات من تأليف وتلحين الأخوين رحباني أيضاً وصل عددها إلى اثنتي عشر
مسرحية، تنوعت مواضيعها بين تمجيد البطولة والحب بشتى أنواعه ونقد الحاكم والشعب ومنها على سبيل
المثال "فخر الدين" و "بياع الخواتم" و "لولو"· ومن يفتش في دولاب جوائز الهرم اللبناني فيروز يجد أنها
حازت على العديد من الألقاب والجوائز الفنية وخاصة نيلها مفتاح القدس بعد غنائها للمدينة المقدسة،
وحازت أيضاً على وسام الاستحقاق اللبناني 1957 من الرئيس "كميل شمعون"، وهو أعلى وسام في الدولة
يناله فنان، وسام الأرز.. رتبة فارس من لبنان 1962، وسام الاستحقاق اللبناني، ميدالية الكرامة التي قدمها
لها الملك "حسين" 1963، وسام الاستحقاق السوري 1967، وفي عام 1975، تم إصدار طوابع بريدية
تذكارية عليها صورة السيدة "فيروز"، كذلك وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الكوموندور
الفرنسي 1988، جائزة القدس في فلسطين 1997، وسام الثقافة الرفيعة - تونس. وفي عام 1997
حصلت "فيروز" على ميدالية الفنون للمرة الثانية من فرنسا، 1998 ميدالية الإسهام الاستثنائي من الدرجة
الأولى، وكانت تلك آخر ميدالية يقدمها الملك "حسين" قبيل رحيله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق